شذرات 2025 - 5 | رنين.
رنين
قالت: ستأتي حِينما يلوح النجم
على ثغرِ السماءِ،
وفي حينِ المساءِ،
والليلُ يجثو باسترخاء،
غابتْ بلا أثر،
وظللتُ أُحصي أوقاتِ السَّحر،
وأُحصي تلكَ الخُطى التي لم تُتّبَع،
تلكَ الخُطى التي مشتْ على الهواء،
وبَقيتُ هناكَ أنتظر،
لأكتبَ اسمَها على ضوءِ القمر،
ويَختبئ في ظلمتي ذاكَ الضباب،
وأختفي بينَ خُطاها التي لم تَنكسِر.
انتظرتُ،
كما ينتظرُ المُحبُّ لقطراتِ المطر،
أن تَروي أرضًا جَدباء،
قد ماتتْ منذ زمنٍ قد عَبَر
الوقتُ فيهِ يمشي كسكينٍ
يُطعَنُ في كَبِد.
انتظرتُ هناك، رنينَ هاتفي،
وظلَّ الهاتفُ صامتًا، قد أصابه الخَرَس،
لا غناءَ ولا أنين،
وأنا بينَ هدوءِ رنّاتِ الزمن،
أتهجّى حروفًا قد صمتت بداخلي،
وما بقيَ غيرُ الشوقِ يُحييني.
فبتُّ أتذكَّر،
دِفءَ الربيع الذي يسكنُ حُضنَها،
وعينَها التي يَغرَقُ فيها كلُّ ناجٍ من متاعبِ
الحياة،
ورِماحَ هدبِها الأسود،
الذي يُسقِطُني كسَكرانٍ من مجرّدِ نظر
فأنا الغريقُ في موعدٍ،
لا يسَعني فيهِ إلا أن أنتظر.
قالت: سأهتفُ بكَ يا حبيبي.
وهدأَ حينها الكونُ، ولم يَعُد فيهِ من مُتّسَع،
وسكنَ هذا الكونُ الفسيح،
لقد سكن،
بكلمةٍ هي تَفوَّهت بها،
وكأنَّها تَسلَّلت إلى الأكوان،
وإلى وَحدتي وسكوني،
وأشعلتْ فيها الحياة
فأصبحت ظلَّ الشمسِ في الأرض،
وضوءَ القمرِ في السماء،
وأتتْ لتهديني لطريقِها،
ذاك الطريقِ الذي لا يَضِلُ أي مُتبِع.
هي المكانُ،
هي ذلكَ الزمانُ،
هي تلكَ الورقةُ التي لم تَحترق تحتَ نيرانٍ من
لهب،
هي تلكَ التي جعلتِ الهاتفَ يَرنّ،
وكالغفرانِ كانتْ رنّتُها،
فَيذوبُ السّمعُ منها،
ويَنسُجُ حولَ قلبي
قطعةً من حنين،
يَبوحُ برنتها في صدري كلام،
وتَنسُجُ في أذني حروفًا
تجعلُ أجفاني تَنام.
تَضحكُ،
وبِرِقّةِ ذلكَ الصوتِ،
الذي أعيشُ بهِ الأحلام.
بُحتُ لها بما يَضيقُ صدري،
تلكَ الحروفُ التي سجَنتُها في أضلُعي،
وكلُّ "آهٍ" وُجِدتْ،
وكلُّ أنينٍ لم يَرتحل،
وكلِّ ألمٍ لم يستطع جسدي أن يُؤويه،
ليلي لم يَعد يَستطيع أن ينام،
وصبحي أصبحَ فرصةً للأنام،
أن تَلتقي بقلبي الجريح،
ولو تَعلَمين كم تَمنّيتُ صوتكِ منذُ الأمد،
ليجفَّ ذاكَ النبعُ من ألمي،
وتُطهّرين سَمعي،
وفكري،
وتَذبلُ الأفكار وأرتشف منكِ أفكارًا،
وأولدُ من جديد،
وأُطفِئ تراتيلَ اليأسِ
المُحاصِرِ للضلوع،
وأرتوي من أعينٍ وَلَّتْ، ولم تَعُدْ
تَنظرُ للربيع.
ويغيبُ وجهٌ،
وتُغادِرُ الأشياء،
التي تَصنعُ في النفوسِ مآتمًا.
أنتِ لا تَعلَمين،
أنَّكِ حينَ تتحدثين، تُغَرّدُ عصافيرُ بابل،
ويَتردّدُ صوتُها فوقَ القِباب.
أنتِ لا تَعلَمين، بأنَّ صوتَكِ
ما بينَ حدِّ المَناجلِ،
والصلاةِ على الأرواح،
ما بينَ وَجعِ الثَّكالى،
وفرحةِ كل حياة تأتي.
فَحدّثيني كُلَّ ليل،
حدّثيني كُلَّ لحظة،
حدّثيني كلَّ يوم،
فصوتُكِ يَخلقُ الأيامَ لي.
فأنتِ الوطنُ الذي لا أُهاجرُ منه،
والمنفى هو مَلاذي إليكِ.
الكاتب: فِرَاسْ إِبراهِيم.
تعليقات
إرسال تعليق