فيلم There will be Blood رأي مراجعة سمها ماشئت.




أصبحت الأفلام جزءًا من حياتنا الثقافية والترفيهية نتفاعل معها نحبها نعشقها نستمد منها ما نألفه وما نبتغيه إلى أن وصلت لتلك المكانة التي لا يختلف عليها اثنين مكانة مهمة مكانة لم تسقط منذ زمن. نشاهد الغريب والمفاجئ المرعب والمهيب وها أنا اليوم أمام أحد هذه الأفلام التي تفاعلت معها فيلم ستسيل الدماء الذي كان عن "لا أحب أن أذكر القصة ولهذا ليس هناك أي مشكلة من مشاهدة الفيلم بدون معرفة القصة كما فعلت" تضاريس مجحفة معلنة عدم توسع عدم أخذ لشخصياتنا في البداية. الصورة الأولى في الفيلم كانت واضحة جدًا لنتبين ما نحن مقدمين عليه منظر شاسع للطبيعة لقسوتها ولإخفاء جواهرها في بطنها وننتقل بعد هذه اللقطة للقطة ضيقة تخنق المتابع لشخصيتنا وهو يحفر وهو يتعب لنيل الجائزة فهو الآن ضد الطبيعة يحاربها ليكسب ثروتها ويهزمها لأنه متوحد بها فلا أحد بجانبه هو وقاعٍ لا نضوح به مجرد حجارة لا قيمة لها. لماذا كانت البداية صامتة؟ قد يقول البعض أنها غير تقليدية فمن سيجعل بداية فيلمه صامتًا أو أنه بهذا الشيء قد يجعل البداية فريدة. بالنسبة لي أرَ أن البداية فريدة فلم أشاهد فيلمًا بدأ هذه البداية المقلقة التي استخدمت تلك الموسيقى المرعبة الغير سارة التي تجعل المشاهد يتنبأ بقدوم شر محض. أيضًا أرَ هذه البداية الصامتة بمثابة كشف التناقض في الشخصية عندما لم يكن ناجحًا فهو صامت وعندما ينجح يتحول وهذا التحول جعل الصوت يبدأ فلم يعد بإمكانه أن يكون ذلك الرجل الصامت، عليه أن يتفاعل مع الناس ويستغل أراضيهم فالحديث مهم لشخص يريد الثروة. أول حوار يبين لك ما ذكرته صفة التناقض وهذا ما أشار إلى تحول الشخصية فهذا التغير مطلوب فخداع الناس الآن هو طبيعة العمل. كلماته لا تعني شيئًا وهو ليس ناجح حتى بأننا نسمع فقط كلمة واحدة وهي "لا" وهذا يدل على التهديد.



لم يكن دافع الشخصية فلسفيًا أو لمصلحة الغير أو العامة بل كل ما يفعله هو الاهتمام بالمصلحة الذاتية فهو يبني له عالم يكون هو المستفيد بشكل ذاتي بحت. وقد تتجلى بعض الأفكار الحالمة على عدة أشكال فظهرت بشخصيتين وتعمق الفيلم بها ليظهر لنا كيف تغرق لتحقيق نجاحك وتلك الفكرة التي كانت شعلتها تنحسر وفجأة تحضنها الأنا ويتم تبني الفكرة للوصول للنجاح. ذلك الطموح الذي يقهر كل شيء ليحقق ما يرنو إليه ليتخطى الطموح الجشع ليصل الأمر ليكون طموح نرجسي وفي الأخير بكل منطق يسير الطامح إلى تلك النهاية ليكون شخص منبعٌ للشر. تحقيق الرخاء لدى هذه الشخصيات يتمثل بفعل كل شيء من كذب وغش وقتل وتلاعب وهذا يجسد بهم الفساد بأشنع صورة. قد يكون الفيلم عن وصول هذه الشخصيتين بالتدريج للثروة والقوة والمكانة ولكن الوصول كان متباين جدًا.



دانييل هذه الشخصية التي ترطم بالقواعد الأخلاقية في قاعٍ مظلم، هي مجرد عقبات فهو حازم ويستمر بالتقدم بلا كلل ولا انكسار مهما حدث معه. يتجنب أي شيء أخلاقي فلا يهتم بها بل يحتقرها ويرَ من يهتم لها ضعيف وهذا صنع للشخصية حلة من الوحدة التي قد تدل عليها أيضًا الدقائق الخمسة عشر الأولى التي لم يكن بها أي حوار مجرد صمت من الشخصية وكأنه يحتقر حتى تواجدنا لمشاهدته. ولكن يستمر يعمل ما يعمله ليكون رمز النجاح ويستمر على ذلك النجاح الذي لا يتخطاه أحد كما قال "لا أحب أن ينجح أحدًا غيري". قدم لنا الفيلم دراسة لهذه الشخصية من بداية تعرفنا به حتى تلك النهاية. دانييل من البداية نرى دوافعه البدائية نحو ذلك الهدف الذي يفيده ذاتيًا. يتبنى طفلًا قتل والده ويقوم الكاتب بجعلنا نرَ بأن دانييل رجلٌ طيب ويستمر هذا الأمر كثيرًا إلى أن يتم الكشف عن أصل الشخصية تدريجيًا مما يجعل رؤيتنا تتغير عن هذه الشخصية من مناضلة وخيرة لمناضلة تهتم بنفسها ومرعبة التي تعثر على الكل طريق النجاح، يظهر بأنه يكافح ويقمع امتعاضه ضد رجال الدين ولكن ينفجر هذا في النهاية لترى أنه قاسي ودنيء تجاههم وكل هذا كان متلائم مع الشخصية نظرًا لتحرره من الالتزام الأخلاقي وهذا يمنحه الحرية في إظهار أنيابه وطبيعته الحيوانية. يتوحش لأنه قوته التي لا حدود لها تتحول لازدراء واستعباد وشراسة وكل هذه الأمور تتعلق بجانب تحرره من الأخلاق فتحرره من تلك القيود اشعلت بنفسه النرجسية لتحقيق الهدف الذي يبتغيه وهو الثروة والسلطة، فتجاوز الأخلاق كان بمثابة السيطرة لتحقيق الهدف. تمثيل دانييل قد لا تفيه كلماتي حقه ولكنه رائع حقًا بمعنى الكلمة كان به تجسيدًا خفيًا للكراهية والتلاعب الذي يخفيه خلف تعبيراته المخلصة تجاه الشعور، ومع نمو الأنانية والكره نجد بأنه يغير مشيته وحتى صوته ونظراته. التصوير كان ممتازًا لجعل المشاهد يرتبط بتلك الحقبة بالتركيز على عرض صور شاسعة للأرض وجمال المناظر الطبيعية التي كانت خالية جامدة جافة وعرة وهذا يظهر الواقع القوي إلى أن نصل لانبثاق الزيت المشتعل من الأرض وكأنه نابعٌ من أصل الجحيم.

 هامش:

  • القصر وما يعنيه هذا؟ ليس ما يأتي على العقل مباشرة مجرد بذخ شخص لديه ثروة بل كان بمثابة الإنجاز فقد كافح وكدح لتكون هذه جائزته ليخلق له إحساسًا بالأمان وأيضًا يدل هذا على مدى كبر شره الذي فاض وضرب. كثير الشرب، لا يهتم بهندامه بقصرٍ فاخرٍ فارغ، فهو قد فقد كل مظهرٍ بشري خارجيًا وداخليًا. ذكرت لصديقي بأني سأشاهد الفيلم وبعد مشاهدته أرسل لي هذه الكلمات التي وصفت الفيلم بقليل من الكلمات "الفيلم صور أمريكا بأنها أرض الفرص والأشخاص الانتهازيين، ليس هناك أخلاقًا أمام المصلحة الذاتية الرأسمالية التي تفشت وبغت"


  • وصل لمبتغاه ورضا عن نفسه بعد استقلاله وبعد كفاح شخصي تم عرضه بشكل قاسي نجح من خلاله للوصول. هذا الوصول استخدم به سوء السلطة والخداع واستخدم ابنه لتعاطف الناس معه وتعبيراته الخادعة عن المشاعر تعكس شخصية منافقة ليس بها هوية صحيحة أخلاقيًا لتظهر النرجسية بأبهى صورة.



  • الشر الذي لابد منه هذا ما أقوله عن ثراء المجتمع بسبب دانييل.


  • تم استخدام الدين لإزالة العقبات وهي الطريقة التي يستخدمها الضعفاء والعاجزون لجعل الحياة أكثر تحملًا، إيلي يريد نفس الذي لدى دانييل.


  • هوس بكراهية الأخرين الضعفاء الذين حوله كان شيء مهم للشخصية ومحرك لبعض المشاهد الرائعة.


تعليقات