المشاركات

عرض المشاركات من يوليو, ٢٠٢٤

قصة قصيرة | في انتظار الموت

  في انتظار الموت   كان الوقت بعد منتصف الليل بقليل، وكانتِ السماءُ واضحةً ببدرٍ يحرسُ الليلُ من تسابيحِ الشياطين. كانت الرياح النشطة تهيم بالبساتين، والنجومُ تتلألأُ وتكسِرَ أوجاع كلِّ هائمٍ نال منه السهد، والشهب تتألق بلمعانها وتسقط حول كوخِ كاتبٍ يعتزلُ عادةً في هذا الكوخ الكامن فوقَ هضبةٍ تملؤُها الزهور.كان الكاتبُ منقبض النفسَ معدوم الاكتراثِ، عابس الوجه، هامدًا وسط أريكةٍ متهالكةٍ بكوخه المظلم. يربض الهدوء على جسده، ورأسه يَسبح بنظره أعلى السقف الخشبي المتآكل يتراءى له في الأفق صورة الماضي ويسمو عقله إلى آفاق بعيدة، وذراعيه المتمللان ممتدان نحو أطراف الأريكة وأصابعه تشد على الصوف ليحكم بقبضته على ما برح به الزمان وينساب من بين الأصابع كالذكريات، ويظهر هناك ضوء البدر الذي يصبغ أرض الكوخ لهيبًا ويعكس على محجريه انسلاخ ذاته، ويُظهِر للسقف الساكن صدره العاري المليء بآثار المعاناة التي جعلته لا يكترث.     كان كوخه باردًا ومن فرط الظلام لم يعد يعرف شكل وجهه، لم يعد مألوفًا لنفسه، وكأنه يجثم بقبرٍ له بابٌ للجحيم، فالكوخ لا يوجد به بضائع منزلية ولا يزدان بألوان...